تاریخ انتشاردوشنبه ۲۳ شهريور ۱۳۹۴ ساعت ۰۸:۲۶
کد مطلب : ۱۲۳۴
۰
plusresetminus
المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي(عج)
سميرة علي محمد البهادلي
الخلاصة
المعالم الاجتماعية تقوم على أساس تحقيق الاهداف العامة والاساسية للحكومة المهدوية والتي تسعى الى تحقيق الامان العام لجميع الناس بحيث يكونوا امنين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم فلا يبقى اضطراب ولا قلق ولا خوف عليها.
ومن هذه المعالم التالف والاتحاد وانتهاء الخلافات والصراعات المتشنجة التي يصاحبها العنف والارهاب والقتل الذي كان سائدا قبل الظهور وقد تطرقت الى أسباب الفرقة بجميع الوانها والى المعالجة الموضوعية لجذورها.
وفي عهده تنتهي المذاهب فلا يبقى الا الدين الواحد الذي يبين الامام أسسه وقواعده وأركانه كما نزل.
وفي ظل حكومته تنتهي العنصرية وهي أساس البلاء والمحن والفتن لعودة الامام الى الاسس التي تساوي بين الجميع كما خلقهم الله تعالى.
المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي(عج) تدخل في اطار مل الأرض عدلا وقسطاً؛ حيث الأمان العام، وانتهاء الشحناء والتباغض وانتهاء الخلافات بانتهاء اسبابها وعواملها، وانتهاء التعصب والعنصرية وشيوع المحبة والمودة والالفة في أنحاء الأرض؛ حيث التعاون والتآزر والتكاتف؛ وشيوع التكافل الاجتماعي، وانتهاء جميع المظاهر السلبية في المشاعر والمواقف والعلاقات.
ومن أهم المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي(عج):
الأمان العام
الاسلام دين الرحمة والمسامحة والعفو، دين التعاون والتآلف والوئام، دين السلام والأمان، وهي الاسس التي يتعامل مع غيره من العقائد والوجودات، ويتعامل بها داخل المجتمع الاسلامي، والاصل هو السلام، امّا القتال فهو أمر طارئ فرضته الظروف؛ لذا فانّ الاسلام ينتهز أقرب الفرص للعودة الى الأصل.
قال سبحانه وتعالى: (وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا...) .
وكان رسول الله(ص) ينهى عن تمني لقاء العدو، فيقول: «لاتتمنوا لقاء العدو، فاذا لقيتموه فاصبروا» .
والاسلام لم يشرع القتال والجهاد للسيطرة على الاراضي والسكان، ولا طلباً للغنيمة، ولم يكن القتال من أجل مجد شخصي أو طبقي أو قومي، وانّما لإعلاء كلمة الله ودفاعاً عن القيم النبيلة وردعاً للعدوان.
ولا نبالغ اذا قلنا: ان جميع معارك الاسلام التي قادها رسول الله(ص) كانت معارك دفاعية لرد عدوان واقعي أو محتمل الوقوع، ويمكن تحديد دوافع القتال وأهدافه القريبة والبعيدة كما جاء في القرآن الكريم بالنقاط التالية :
1. دفع العدوان.
2. الدفاع عن المستضعفين.
3. نصرة المظلومين.
4. قتال ناكثي العهد.
5. حماية المسلمين ورد العدوان المحتمل الوقوع.
واكدّ المنهج الاسلامي على اشاعة قيم الرحمة والشفقة والعفو حتى في ساحة القتال، وتتجسد أخلاقية القتال وانسانية التعامل في المظاهر التالية ـ كما جاء في القرآن والسنة وآراء الفقهاء من مختلف المذاهب ـ :
1. حرمة القتال قبل القاء الحجّة.
2. النهي عن قتل المستضعفين كالصبي والشيخ الفاني والمرأة.
3. حرمة القاء السم في بلاد المشركين.
4. حرمة الغدر والغلول.
5. حرمة المثلة.
6. حرمة التخريب الاقتصادي.
7. وجوب الاستجابة للاستجارة وطلب الأمان.
8. الوفاء بالعهد.
9. حسن المعاملة مع الأسرى.
ودوافع القتال المتقدمة وكذلك أخلاقيته قد جسدّها رسول الله(ص) والامام علي(ع) في الواقع العملي، وجسدّها الكثير من المسلمين وان كانوا يقاتلون تحت راية حكام الجور والانحراف، وسيجسدها الامام المهدي(عج) في حكومته لانّه جاء من أجل إقامة القسط والعدل في جميع انحاء الأرض، وقد دلت الروايات على ذلك.
قال رسول الله(ص): «تأوي اليه أمته كما تأوي النحلة يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً
كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً» .
وفي نسخة اخرى «كما يأوي النحل الى يعسوبها».
وقال الامام علي(ع): «... فيسير المهدي(عج) بمن معه لايُحدث في بلد حادثة إلاّ الأمن والأمان والبشرى» .
وعنه(ع) قال: «لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السّباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدماً الاّ على النبات، وعلى رأسها مكتلها لا يهيجها سبع ولا تخافه» .
وعن الامام جعفر الصادق(ع) أنّه قال: «اذا قام القائم(عج) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وآمنت به السبل» .
ولاتضاد بين الروايات المتقدمة والروايات التالية:
روي عن الامام الحسين(ع) انّه قال: «اذا خرج المهدي(ع) لم يكن بينه وبين العرب وقريش الاّ السيف، وما يستعجلون بخروج المهدي! والله مالباسه الاّ الغليظ، ولا طعامه الاّ الشعير، وماهو الاّ السيف، والموت تحت ظل السيف» .
وعن الامام محمد الباقر(ع) انّه قال: «يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلاّ السيف لا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم» .
وعن الامام الحسين(ع) قال: «ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً؟» .
وعن الامام محمد الباقر(ع) انّه قال: «انّ رسول الله(ص) سار في امتّه باللين كان يتألف الناس، والقائم(عج) يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه» .
وعن الامام جعفر الصادق(ع) أنّه قال: «إنّ علياً(ع) قال: كان لي ان اقتل المولّي واجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا، والقائم له ان يقتل المولّي ويجهز على الجريح» .
وعن الامام محمد الباقر(ع) أنّه قال: «لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ان لا يروه ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لايبدء إلاّ بقريش، فلا يأخذ منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم» .
وقيل له(ع): انّهم يقولون إنّ المهدي لو قام لاستقامت له الامور عفواً ولا يهريق محجمة دم، فقال: «كلاّ والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله(ص) حين ادميت رباعيته، وشجّ في وجهه، كلاّ والّذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته» .
ووردت رواية عنه(ع) انّه قال: «... ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزّ وجلّ» .
وإذا تتبعنا الروايات ـ بغض النظر عن السند ـ لوجدنا امكانية الجمع بينها، فالروايات المتقدمة الأولى التي تشير إلى الأمن والسلام ناظرة إلى ما بعد استقرار حكومة الامام المهدي(عج)، امّا الروايات المتأخرة فانها تشير إلى مرحلة ما قبل الاستقرار، حيث يكون القتل كنتيجة طبيعية للمقاومة والدفاع، وخصوصاً انّ الكفار والمنحرفين والمجرمين سيواجهون الامام المهدي(عج) مواجهة عنيفة للقضاء عليه وعلى حركته وهذه المواجهة تؤدي إلى قتلهم، فهم يستحقون القتل لتآمرهم على الامام(ع)، وسيقتلون داخل المعركة، ومن جهة اخرى انهم سيقفون أمام طريق الخلاص من الظلم والاضطهاد والعبودية، بحيث يصبحون أداة تعويق لبسط العدل، ومن جهة ثالثة انهم يستحقون القتل لقيامهم بأعمال اجرامية بحق البشرية قبل واثناء الظهور، فتكون عقوبتهم القتل.
ويمكن الجمع من ناحية اخرى من خلال الرجوع إلى الاصل وهو تجنب القتل والقتال ابتداءً كما ورد في الرواية المتقدمة «لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً» وتوقفه على المقاومة والمواجهة، فحينما يجد الامام(ع) مقاومة ومواجهة يقابلها بالمثل فيكون القتل والقتال وإلاّ فلا.
وقتل الكفار المعاندين والمحاربين، وكذلك قتل المجرمين يكون مقدمة للعدل والقسط ومقدمة للأمان العام، لأن هؤلاء هم مصدر الاضطراب وإنعدام الأمن، وبقتلهم واستئصالهم يتحقق الأمان في الأرض وهذه حقيقة لا تقبل مزيداً من إمعان النظر.
وهؤلاء يستحقون القتل لأنّهم مرّوا بمراحل من الامتحان والتمحيص، ويستحقون الاجهاز على جريحهم أيضاً، لانهم فشلوا في التمحيص بعد سلسلة من الدلائل والبينات على احقية الامام المهدي(عج) وأحقية نهجه، وفي ظرف ومرحلة تتطلع فيها الانسانية إلى منقذ ومصلح بعد طول المعاناة واستشراء الظلم والجور، فانّ بقاءهم احياءً يعيق تحقيق العدل والقسط ويعيق تحقيق الأمن والأمان، ومع جميع ذلك فانهم لم يتخلوا عن المواجهة ولم يتخلوا عن اهدافهم المعلنة في القضاء على الامام المهدي(عج) والقضاء على المنهج والنظام العادل المراد اقراره في الأرض.
وفي جميع الظروف والأحوال وعلى جميع التقديرات فانّ فترة القتل والقتال لاتدوم أكثر من ثمانية أشهر.
عن الامام علي(ع) انّه قال: «تفرج الفتن برجل منّا يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلاّ السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، ولو كان من ولدها لرحمنا» .
وهنالك روايات عديدة تؤكد على مباشرة الحرب أو القتل أو تجريد السيف لمدة ثمانية أشهر، ويعلق السيد محمد الصدر على ذلك قائلاً: انّ لتبرير القتل الكثير الذي يقع خلال الثمانية أشهر اطروحتين رئيسيتين:
الاطروحة الأولى: إنّ هذا القتل، هو الذي يحدث خلال الغزو العالمي، والثمانية اشهر هي المدّة التي يتم فيها الاستيلاء على العالم.
الاطروحة الثانية: إنّ هذا القتل الكثير الذي يحدث خلال الثمانية اشهر، ليس للفتح العالمي، بل لاجتثاث المنحرفين نحو الباطل من المجتمع.
ومعنى ذلك: أنّ الفتح العالمي سينتهي بمدة أقل من ذلك بزمن غير يسير، وخاصة إذ كان الفتح سلمياً، إلاّ أنّ المنحرفين سوف يبقى وجودهم ونشاطهم إلى جانب الباطل ساري المفعول، ومن ثم سيحتاجون إلى قتل إضافي بعد إستتاب الدولة العالمية، وهذا ما سوف يمارسه المهدي(عج) واصحابه إلى الثمانية أشهر .
ومهما كانت التفسيرات فانّ القتل والقتال سينتهي بعد الثمانية أشهر سواء كان خارجياً أم داخلياً موجهاً للكفار أم المنحرفين من المسلمين، وبعدها سيعم الأمان والسلام أرجاء الأرض فلا حرب ولا قتال ولا قتل، وإلى ذلك أشارت الروايات.
عن رسول الله(ص) أنّه قال: «... فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيّهم، ويلقى الاسلام بجرانه» .
وضرب «الجران» مثلاً للاسلام إذا استقر قراره فلم يكن فتنة ولا هيج وجرت أحكامه على العدل والاستقامة .
وتعيش الانسانية الامان الحقيقي؛ حيث تشعر بعدل الحكومة المهدوية وتطمئن لفعالياتها ونشاطاتها، ولا يخطر في البال ان تظلم أحداً من الناس؛ حيث يشعر كل انسان بالأمان الداخلي والإطمئنان الداخلي لأنّه يؤمن بعدل المنهج الاسلامي، وبعدل القائد الأعلى وهو الامام المهدي(عج)، فلا قلق ولا اضطراب ولا خلخلة روحيةِّ، ومن الناحية الواقعية يشعر الانسان بالأمان لعدم وجود المعكرين أو المعوقين له لاستئصالهم أثناء القتال ولبسط الحكومة سيطرتها على العالم أجمع وعلى جميع الميادين، بحيث لا يبقى للمجرمين وللمنحرفين أيّ قوة تهدد أمن الناس، والأهم من ذلك قيام الحكومة المهدوية باصلاح وتغيير الواقع عن طريق الوعظ والارشاد والتربية المتواصلة، اضافة إلى القضاء على العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الجريمة أو القتل أو سلب الأمن من الناس، حيث يتم إشباع الحاجات لجميع الناس وهي أهم عامل يؤدي إلى الاستقامة الروحية والنفسية وازالة الحسد والحقد والروح العدوانية من الذات الانسانية.
ورد عن رسول الله(ص) انّه قال: «لتذهبنّ الشحناء والتباغض» .
وفي رواية: «ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد» .
وذهاب هذه العوامل يؤدي إلى شيوع الأمن في المجتمع الانساني، فلا قلق ولا اضطراب ولا خلخلة روحية.
التآلف والاتحاد وانتهاء الخلافات
التآلف والاتحاد ورص الصفوف من أهم مقوّمات البناء الحضاري للامة الاسلامية، وهي ضرورة شرعية وعقلية اكدّ عليها القرآن الكريم والسنة الشريفة، وحكم بها العقل السليم، واثبت لنا التاريخ ضرورتها في تتبعه لسير الحضارات التي نمت وترعرعت وازدهرت بالتآلف والاتحاد ورص الصفوف، وتدهورت واضمحلت بالتدابر والاختلاف والتمزق.
والتآلف والاتحاد ورص الصفوف سر انتصار الاسلام واستمرار وجوده ودوره في قيادة البشرية، وقد أرسى رسول الله(ص) دعائم الوحدة وكذلك الامام علي(ع) وبقية ائمة أهل البيت(علیهم السلام)، وستتحقق الوحدة الحقيقية في عهد حكومة الامام المهدي(عج) لتحقق الأسباب والعوامل المهيئة لها والواقعة في طريقها، وهذا هو الظاهر من الروايات الشريفة.
عن الامام علي(ع) قال: يارسول الله المهدي منّا أئمة الهدى أم من غيرنا؟
قال(ص): «بل منّا، بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك» .
وفي رواية اخرى وردت اضافة على ما تقدم: «... وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما اصبحوا بعد عداوة الشرك اخواناً في دينهم» .
وروي عن الامام الحسن(ع) انّه قال: «لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض» فقيل له: مافي ذلك خير، قال: «الخير كله في ذلك عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه». .
وفي ظل حكومة الامام المهدي(عج) وفي ظل امامته وقيادته تنتهي الخلافات الموروثة والمكتسبة، وتنتهي جميع مظاهر الصراع العقائدي والسياسي والاجتماعي؛ لانتهاء وانتفاء الأسباب والعوامل المهيئة له؛ حيث تتوحد الصفوف تحت قيادته، ويستسلم الجميع لاوامره ونواهيه وارشاداته وتوجيهاته، وهو(ع) سيوضح لهم جذور وعوامل وحقيقة الخلافات الموروثة من جيل إلى آخر، وستنكشف الحقائق كما هي فلا يبقى مجال لأن يتمسك الفرد أو الكيان المعين بمتبنيات موروثة تخالف توضيحات الامام المهدي(عج).
وإذا كانت بوادر الاختلاف والفرقة والتمزق انطلقت بعد إقصاء الامام علي(ع) عن منصبه، أو بعد اجتماع السقيفة باختيار أبي بكر خليفة دون مشورة بني هاشم وعلى راسهم عليّ(ع)، فانّ الامام(ع) سيوضح الحقيقة التي اختلف المسلمون فيها، وبهذا التوضيح سيكون المجتمع على بينة من متبنياته وولاءاته؛ وسيكون على رأي واحد وتوجه واحد وولاء واحد.
والامام(ع) سيحسم الخلافات الناجمة عن الاراء والولاءات المختلفة في مسألة الامامة، وكما قال الشهرستاني: (واعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة؛ إذ ماسلّ سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ماسلَّ على الامامة في كل زمان) .
وإذا تدخلت السياسة سابقاً في إختلاق الأحاديث وتزوير الحقائق، فانّ تدخلها سيتضح بعد الظهور، وحينها فلا لبس ولا خلط، وستنكشف الحقائق المتعلقة بالتراث الواسع من المناقب والفضائل لهذا أو ذاك، وفي التجريح والتعديل، وبالتالي سيتوحد الولاء للماضين من الأئمة والخلفاء.
ومن جهة اخرى سيتوحد الجميع لوجود قيادة واحدة وهي قيادة الامام المهدي(عج)، فإذا كانوا مختلفين بسبب اختلاف مصادر التوجيه والارشاد ومصادر إصدار الأوامر والنواهي، فانّ هذه المصادر ستتوحد في الامام المهدي(عج) وتنطلق منه وحده بلا منازع ولا منافس.
إنتهاء اسباب الفرقة
من خلال متابعة الأحاديث الشريفة، ومن خلال النظرة الموضوعية للواقع يمكن تحديد أسباب الفرقة بجملة من النقاط، نذكرها اختصاراً ونكتفي بذكر الأحاديث دون تعليق في كثير من الأحيان
أولاً: الأسباب الفكرية للفرقة
1. الاختلاف
قال رسول الله(ص): «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» .
وقال الامام علي(ع): «سبب الفرقة الاختلاف» .
2. الجهل
قال الامام علي(ع): «لو سكت الجاهل ما اختلف الناس» .
3. اتباع أصحاب البدع
قال الامام علي(ع): «انّما بدءُ وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجال رجالاً على غير دين الله» .
4. اتّباع الشكوك والظنون والشبهات
قال الامام علي(ع): «واحذروا الشبهة فانها وضعت للفتنة» .
وقال الامام علي بن الحسين(ع): «... فإنّ الشكوك والظنون لواقح الفتن» .
ثانياً: الأسباب النفسية للفرقة
1. حب الدنيا
قال الامام علي(ع): «إياكم وحب الدنيا فانّها رأس كل خطيئة وباب كل بلية وقران كلّ فتنة وداعي كل رزية» .
وقال(ع): «حب الدنيا رأس الفتن وأصل المحن» .
2. التعصب
قال الامام علي(ع): «... فالله الله في كبر الحميّة وفخر الجاهلية، فانّه ملاقح الشنآن ومنافخ الشيطان» .
3. الأمراض النفسية
أ. خبث السرائر
قال الامام علي(ع): «إنما أنتم اخوان على دين الله، ما فرّق بينكم إلاّ خبث السرائر وسوء الضمائر؛ فلا توازرون ولا تناصحون ولا تباذلون ولا توادّون...» .
ب. الهوى
قال الامام(ع): «الهوى مطية الفتن» .
وقال(ع): «اياكم وتمكن الهوى منكم فانّ اولّه فتنة وآخره محنة» .
ج. الحقد والبغض والجفاء
قال الامام علي(ع): «سبب الفتن الحقد» .
وقال(ع): «لا تباغضوا فانها الحالقة» .
وقال(ع): «إياك والجفاء فإنّه يفسد الاخاء ويمقت إلى الله والناس» .
ثالثاً: الأسباب العملية للفرقة
1. الاستئثار
قال الامام علي(ع): «الاستئثار يوجب الحسد، والحسد يوجب البغضة، والبغضة توجب الاختلاف، والاختلاف يوجب الفرقة، والفرقة توجب الضعف، والضعف يوجب الذل، والذل يوجب زوال الدولة وذهاب النعمة» .
2. تعدد الولاءات
قال الامام علي(ع): «ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم، وترّفعوا فوق نسبهم، وألقوا الهجينة على ربّهم، وجاحدوا الله على ما صنع بهم، مكابرة لقضائه، ومغالبة لآلائه، فإنّهم قواعد اساس العصبية، ودعائم أركان الفتنة...» .
3. ضعف العلاقة بين الوالي والرعية
قال الامام علي(ع): «... وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفتّ هنالك الكلمة...» .
4. المراء والخصوصة
قال رسول الله(ص): «ذروا المراء لقلّة خيره، ذروا المراء فانّ نفعه قليل وأنّه يهيّج العداوة بين الإخوان» .
وقال الامام علي(ع): «ثمرة المراء الشحناء»، «سبب الشحناء كثرة المراء»، «اللجاج ينتج الحروب ويوغر القلوب» .
وقال الامام جعفر الصادق(ع): «إيّاكم والخصومة، فانّها تشغل القلب وتورث النفاق وتكسب الضغائن» .
رابعاً: الأسباب الخارجية للفرقة
1. أعداء الاسلام.
2. المنافقون.
3. الحكّام المنحرفون.
وهذه الأسباب سينحسر تأثيرها في عصر ظهور الامام(ع) لمجيء نظام متكامل يتجاوز الواقع الفاسد ويستبدله بواقع صالح يتوجه فيه الانسان والمجتمع نحو السمو والكمال، ويتكاتف ويتآزر الجميع من أجل البناء والاعمار في جميع جوانب الحياة الانسانية، وبوجود الامام المهدي(عج) ستتوحد الرؤى والمواقف والممارسات، ولا يبقى موضوع أو مورد للخلاف والنزاع والصراع مادامت القيادة واحدة ومادام الجميع يؤمنون بامامته.
المعالجة الموضوعية لجذور الفرقة
انّ التربية الشاملة لها دورها الأساسي في معالجة جذور الفرقة، وإعادة المجتمع الانساني إلى الأصل وهو التآلف والتآخي والتآزر ضمن عقيدة واحدة ومصالح واحدة ومصير واحد.
وفيما يلي نستعرض هذه المعالجة باختصار وعلى شكل نقاط:
1. الاعتصام بالله تعالى.
2. التآخي في الله.
3. الحب في الله والبغض في الله أساس العلاقات.
4. عدم اتباع السبل المخالفة لسبيل الله تعالى.
5. رفض البدع.
6. تقوى الله.
7. الرجوع إلى الله تعالى وإلى رسوله(ص) وإلى الامام الهدي(ع).
8. ترك الممارسات غير الصالحة.
*. التدابر والتباغض والتقاطع.
*. التخاذل والتنابز.
*. البهتان والاشاعات والنميمة.
*. الظلم والخيانة والغش.
*. التعصبّ.
9. الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
10. اصلاح ذات البين.
11. الدفع بالتي هي أحسن.
12. نسيان مساوىء الماضي.
13. الالتزام بالأخلاق الاسلامية في العلاقات.
*. اللين والعفو والتسامح.
*. الاستشارة.
*. التناصح والتناصر والتعاون.
*. حسن العشرة.
*. المداراة.
*. الانصاف.
*. الايثار.
*. الالتزام بمكارم الأخلاق.
14. الاقتداء بالسلف الصالح.
انتهاء المذاهب
إنتهاء المذاهب أحد أهم العوامل المؤدية إلى وحدة المسلمين، وانتهاؤها في عهد الامام المهدي(عج) حقيقة موضوعية لأنّها إجتهادات فقهاء وعلماء لاترقى إلى علم الامام المهدي(عج) الذي يكون رأيه هو المقياس والمعيار لصحة الآراء على جميع المستويات.
والمذاهب الاسلامية ماهي إلاّ مظهر من مظاهر الاجتهاد في فهم الاسلام بمفاهيمه وقيمه، وقد بدات حركة الاجتهاد في ظروف الابتعاد عن عصر النصّ.
وقد بدأ الاجتهاد عند أهل السنة بعد غياب رسول الله(ص) لأنّه غياب النص أو الابتعاد عن النص، بل انّ الاجتهاد كان يقع من الصحابة (إذا بعدوا عن النبي(ص) في سفر فانهم كانوا يجتهدون) .
واختلف الصحابة في طرق الاجتهاد بعد عصر النبي(ص):
*. منهم من كان يجتهد في حدود الكتاب والسنة.
*. منهم من كان يجتهد بالرأي ان لم يجد نصاً.
*. منهم من كان يجتهد بالقياس، ومنهم من كان يجتهد بالمصلحة في غير موضع النص.
وفي عصر التابعين كان لهم اجتهاد وراء ماينقلون من أحاديث وفتاوي، ولم يخرجوا عن منهاج الصحابة الذي رسموه لهم ولمن جاءوا بعدهم.
وكان أكثر الاجتهاد عند مدرسة العراق يعتمد على القياس، وأمّا الاجتهاد عند مدرسة الحجاز فكان يسير على منهاج المصلحة، وقد تبع ذلك ان كثرت التفريعات الفقهية في العراق والافتاء فيما لم يقع، ولم يوجد ذلك النوع في الحجاز لأنّ الاساس كان المصلحة وهي لا تتحقق إلاّ في الوقائع، فلا يأتي فيها الفرض والتقدير.
وقد توسع الاجتهاد ووصل إلى أوج توسعه في عصر أئمة المذاهب (مالك، أبو حنيفة، الشافعي، أحمد).
وامّا عند الشيعة فانّ بدايات ظهور الاجتهاد وكيفية معالجة الأحاديث واستعمال القواعد والاصول قد ظهر في عصر أئمة أهل البيت(علیهم السلام) وبارشاد وتوجيه منهم، وذلك في كيفية استنباط الحكم الشرعي مباشرة من القرآن الكريم أو في التوسعة على الناس بالبراءة من التكليف المحتمل فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، وفي جريان الاستصحاب في الموضوعات التي لها حالات سابقة متيقنة ويشك المكلف فيها بعد ذلك.
إلاّ انّ الاجتهاد كمدرسة ذات ملامح واضحة لم يظهر إلاّ بعد غيبة الامام المهدي(عج)؛ حيث مسّت الحاجة إلى ذلك .
واستمر الاجتهاد عند الشيعة منذ عصر الغيبة إلى يومنا هذا، بينما انحسر عند أهل السنة، وبدأ الانحسار بعد عصر ائمة المذاهب حيث لم يتجاوز المجتهدون آراء الأئمة الأربعة، وبقي الاجتهاد محدوداً بحدود أصول واساسيات المذهب باستثناء اجتهاد بعض الفقهاء المطلق وهم قلة قليلة.
وبانتهاء القرن الثالث الهجري وحلول القرن الرابع ضعف مركز الاجتهاد، ولم يسمع صوت قوي كاصوات الأئمة الأربعة ومن هم في درجتهم في الاوساط العلمية، وقد اغلق باب الاجتهاد المطلق بعد وفاة محمد بن جرير الطبري عام 310هـ ولم يقم أحد به، وقد حصل ان بنيت المدارس لتدريس المذاهب الاربعة واغدقت الأموال ممّا صرف انظار طلاب العلم عن غيرها وأمات فيهم ملكة الاجتهاد، بل وصل الأمر إلى حدّ انّ المستعصم العباسي أمر اساتذة المدرسة المستنصرية ببغداد أن لا يتعدوا كلام المشايخ السابقين .
وبالتدريج انحسر الاجتهاد وتوسع التقليد خلافاً لتوجهات الأئمة الاربعة فهم نهوا الآخرين عن تقليدهم وأمروا ـ إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم ـ ان يأخذوا به ويدعو اقوالهم .
وغلق باب الاجتهاد كان نوعاً من التقديس للفقهاء السابقين، وأصبح أصحاب المذاهب الأولون كانّهم معصومون، وأصبح الفقيه لايستطيع الحكم في مسألة إلاّ إذا كانت مسألة جزئية تطبيقاً على قاعدة كلية قالها امامه من قبله .
ومن خلال ما تقدم نرى انّ انحسار الاجتهاد يخالف روح الاسلام الذي يواكب التطور الحاصل في الحياة الانسانية، وممّا يخالف روح الاسلام أيضاً تحول إجتهاد السابقين إلى مذاهب بينما هي إجتهادات لمجتهدين يخطأون ويصيبون، وعلى ضوء ذلك فان حسر ذلك بمذاهب معينة لاينسجم مع حركية الاسلام ولاينسجم مع روح الاجتهاد، بل هو بدعة تخالف حتى توجهات أئمة المذاهب الاربعة.
وإذا تنزلنا واستسلمنا إلى الأمر الواقع وتابعنا ذلك بالايمان بوجود عدة مذاهب: الامامية، الزيدية، المالكية، الحنفية، الشافعية، الحنبلية، الأباضية، فنقول: هل انّ الامام المهدي(عج) سيتبع أحد هذه المذاهب أم سيأتي بمذهب جديد، أم يحدث تعديلات على أحد أو بعض المذاهب.
وإذا تتبعنا عقائد ومتبنيات المذاهب الفكرية لوجدناها على نحوين أساسيين:
النحو الأول: الايمان بانّ الامامة منصب الهي وإنّ الله تعالى قد عيّن إثني عشر إماماً أولهم الامام علي بن أبي طالب(ع) وآخرهم الامام المهدي(عج).
والايمان بعصمة جميع الأنبياء وجميع الأئمة(علیهم السلام)، ويترتب على هذا الايمان حبّ أئمة أهل البيت(علیهم السلام) وموالاتهم والبراءة من أعدائهم، وكذلك أخذ مفاهيم وقيم وتشريعات الاسلام منهم دون غيرهم لأنّ السنة الشريفة تمتد بهم.
النحو الثاني: الايمان بانّ الامامة منصب متروك لاختيار المسلمين، فمن اختاره المسلمون إماماً وجبت طاعته على الباقين، وانّ رسول الله(ص) قد ترك أمر الامامة إلى الناس ولم يعيّن إماماً من بعده.
ولا يشترط في الامام أن يكون معصوماً، وان السنة الشريفة مختصة برسول الله(ص) بقوله وفعله وتقريره.
هل المهدي(عج) إمامي المذهب؟
انّ الاخبار المتقدمة في الفصل الأول والتي تنص على أنّ الأئمة اثنا عشر بعد رسول الله(ص) وانهم من العترة الطاهرة تنطبق مع رأي الامامية من المسلمين، وفي خصوص الامام المهدي(عج) يتفق الجميع على أنّه من العترة الطاهرة، فهل يمكن القول: انّ الامام المهدي(عج) إمامي المذهب؟ وفي مقدمات الجواب نقول:
1. انّ ائمة أهل البيت(علیهم السلام) يتبنون المذهب الامامي في مسألة الامامة فهم(علیهم السلام) تبنوا النص والتعيين ولم يتبنوا البيعة أو الشورى أو الغلبة بالسيف أو العهد والاستخلاف من الآباء للأبناء.
2. وردت عن جميع أئمة أهل البيت(علیهم السلام) روايات عن الامام المهدي(عج) عن غيبته وعن ظهوره، وعن طاعته والحث على أتباعه والاستسلام له.
3. ليس من المحتمل ان يقوم أئمة أهل البيت(علیهم السلام) بتأييد الامام المهدي(عج) وهو شخص يختلف عنهم في المذهب وفي المتبنيات العقائدية.
4. لو قلنا بانّ الامام المهدي(عج) يخالفهم في المذهب لزم بطلان أحد المذهبين، وهذا لا يمكن الالتزام به تجاه مذهب الأئمة أو مذهب الامام المهدي(عج).
وعلى ضوء هذه المقدمات نقول: انّ مذهب الامام المهدي(عج) لا يخالف مذهب آبائه وأجداده وخصوصاً في الأساسيات الثابتة عنه، فهو(ع) لا يخالفهم في جميع ماثبت صدوره منهم، وإذا ثبت هذا فلا يعقل ان يترك متبنيات ابائه ويتبنى ماورد عن مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم.
والقدر المتيقن انه لا يخالف مذهب آبائه وأجداده، وهذا لا يعني انّه لا يخالف المذهب الإمامي الحالي، لأنّ المذهب الحالي هو مزيج من متبنيات أئمة أهل البيت(علیهم السلام) واجتهادات فقهاء المذهب، واجتهادات الفقهاء عرضة للخطأ والاشتباه وانها أحكام ظاهرية لا أحكام واقعية.
والامام المهدي(عج) لا يأخذ بآراء الفقهاء لاسباب عديدة:
1. انّ الفقهاء غير معصومين.
2. انّهم يجهلون الأحكام التالفة.
3. انّهم يجهلون ظروف الرواية والقرائن المتعلقة بها.
4. انّهم يجهلون حقيقة الرواة من حيث التعديل والتجريح.
والأهم من ذلك انّ وجود الامام المهدي(عج) يعني التخلي عن آراء غيره من قبل الناس جميعاً، لأنّه وحده القادر على تبيان المفاهيم والقيم والأحكام، وانّه وحده القادر على ملء ما يسمى منطقة الفراغ التشريعي التي تركت من قبل الشريعة ليملأها ولي الأمر، وهو(ع) صاحب هذا المنصب.
وفي جميع الظروف والأحوال فانّ المهدي(عج) سيأتي بمفاهيم وقيم وأحكام جديدة يخالف فيها أغلب أو بعض المألوف عند فقهاء المذاهب بما في ذلك المذهب الامامي، وعلى ضوء ذلك لا يبقى للمذاهب أي وجود، فليس من المعقول ان يترك الناس متبنيات الامام المهدي(عج) ويقدمون آراء المذاهب عليها وهم يؤمنون بامامته.
وإذا ثبت انتهاء المذاهب فيكون ماجاء به الامام المهدي(عج) ليس مذهباً وانّما هو الدين الواحد بلا مذاهب.
والظاهر انّ الروايات تدل على ذلك.
روى عن الامام الباقر(ع) أنّه قال: «يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد» .
وعنه(ع) انّه قال: «انّ قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا اليه رسول الله(ص)، وانّ الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدا، فطوبى للغرباء» .
وعن الامام جعفر الصادق(ع) أنّه قال: «إذا قام القائم(عج) جاء بامر جديد كما دعى رسول الله(ص) في بدو الاسلام إلى أمر جديد» .
والظاهر ان مايأتي به الامام المهدي(عج) هو فهم جديد للسنة وللشريعة وللقضاء، وبالتالي ستنتهي جميع المذاهب وسيعود الدين واحداً كما كان في عهد رسول الله(ص)، وهذا ما يطابق رأي ابن عربي حين يقول: (به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلاّ الدين الخالص) .
وانتهاء المذاهب ظاهرة طبيعية لانّ المسلمين سيتبعون ما جاء به الامام المهدي(عج) دون النظر إلى وجوده في مذاهبهم السابقة، فقد يكون مطابقاً لبعض ماجاء فيها وقد لا يكون، وانتهاء المذاهب يعني انتهاء الخلافات العقائدية والفكرية والسياسية والتشريعية، والانضواء تحت عقيدة واحدة وفكر واحد مصدره الامام المهدي(عج).
انتهاء العنصرية
امتاز الانسان على سائر المخلوقات الأرضية بالعقل والاستخلاف وتسخير مافي الكون له وحده، وقد خُلق لاقرار منهج الله تعالى في الحياة وتحقيقه في صورة عملية ذات مظاهر منظورة تترجم فيها المفاهيم والنصوص إلى مشاعر وأعمال وممارسات، وقد راعى المنهج الاسلامي في ذلك الطبيعة الانسانية فلم يبدلها أو يعطلها، وكان ناظراً للانسان بما هو انسان بلا صفة اضافية خارجة عن تلك الطبيعة، لذا جاءت توجيهاته وتعاليمه لتساوي بين الناس، وتقرّر هذه المساواة في واقع الحياة، فالناس مخلوقون لله تعالى ومتساوون في كل وجميع الخصائص بلا فرق بين انسان وآخر.
وإذا تتبعنا الايات القرآنية الكريمة والاحاديث الشريفة لرسول الله(ص) وأئمة أهل البيت(علیهم السلام) لوجدنا انّ الناس متساوون في جميع الخصائص، والتي يمكن استعراضها في النقاط التالية:
أولاً: المساواة في الخصائص الذاتية والتصورية
1. المساواة في غريزة التدين والانتساب للخالق.
2. المساواة في الخصائص الانسانية، فقد خلقهم الله تعالى من مصدر واحد، وخلقوا من أب واحد وأم واحدة، وهم متساوون في الصفات المرافقة لضعف الانسان ومحدوديته، ومتساوون في حب الشهوات، ومتساوون في الموت والحياة والبعث والنشور، وهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً.
3. المساواة في الحرية، فهم خلقوا أحراراً، فلا عبودية ولا استعباد إلاّ لله تعالى.
4. المساواة في التكريم، بانهم مخلوقون في أحسن تقويم، ومتساوون في الاستخلاف وحمل الامانة، وتسخير مافي الكون لهم جميعاً.
5. المساواة في التكليف والجزاء في الدنيا والآخرة.
6. المساواة في الارادة والاختيار.
7. المساواة أمام السنن الالهية المتحكمة في الكون والحياة.
ثانياً: المساواة في الحقوق العملية
1. حق الحياة.
2. حق الاعتقاد.
3. حق التفكير وابداء الرأي.
4. حق الأمان والحماية.
5. حق الكفاية المادية.
6. حق المساواة أمام القانون.
ثالثاً: المساواة أمام أسس وموازين التفاضل
من أهم أهداف الاسلام هداية الانسانية إلى الطريق القويم، ببناء الانسان الصالح في فكره وعاطفته وارادته؛ لتكون سيرته مطابقة للمفاهيم والقيم التي أرادها الله تعالى.
ولا يتحقق ذلك إلاّ بوضع اسس وموازين للتفاضل بين بني الانسان، لتستنهض الهمم وتستجيش العزائم ليبدأ باصلاح نفسه والمجتمع، ومن هذه الموازين:
1. الايمان.
2. التقوى.
3. العلم.
4. العمل الايجابي.
وعلى ضوء ذلك فانّ الناس متساوون فلا تمييز بينهم، ولا فرق بين عنصر وعنصر، وسلالة واخرى، ولون وآخر، ولغة واخرى.
قال سبحانه وتعالى: (يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَـقْنَاكُمْ مِنْ ذَ كَر وَاُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَـبَائِلَ لِتَـعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ) .
وقال رسول الله(ص): «انّ ربكم واحد، وانّ أباكم واحد؛ كلكم لآدم وآدم من تراب، انّ اكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلاّ بالتقوى» .
وقد انتفت العنصرية في عهد رسول الله(ص) فلا تمييز في عهده بين عربي واعجمي، ولابين مكي ومدني وشاميّ، ولا بين أبيض أو اسود، ولابين هاشمي أو غير هاشمي، وانتفت كذلك في عهد الامام علي(ع)، وستنتفي في عهد الامام المهدي(عج) وستكون منتفية على مستوى الحكومة ومستوى المجتمع لقناعة الجميع بانها مخالفة لثوابت الاسلام، فيستخلى عنها الناس عن قناعة ودراية، ويكون التقييم قائماً على موازين التفاضل التي حددّها المنهج الاسلامي وهي: الايمان، والتقوى، والعلم، والعمل الايجابي.
والادلة على انتفاء العنصرية يمكن اختصارها بالنقاط التالية:
أولاً: انّ حكومة الامام المهدي(عج) تتبنى الاسلام منهجاً لها في الحياة، وانّها جاءت لتطبيقه في الواقع، والاسلام يخالف العنصرية، فمن الطبيعي ان تخالف الحكومة العنصرية.
ثانياً: انّ حكومة الامام المهدي(عج) حكومة عالمية، والعالمية مخالفة للعنصرية ومتعالية عليها، لانّ الدعوة العنصرية ستقلل من دائرة العالمية.
ثالثاً: انّ هدف الحكومة هو تطبيق العدل والقسط وهما مخالفان للعنصرية، فليس من العدل والقسط تقديم عنصر على آخر أو تفضيل الناس على أساس عنصري: طبقي أو قومي أو عشائري.
رابعاً: انّ إقرار العنصرية يخالف الاعتصام بالله تعالى ويخالف الوحدة التي دعا اليها القرآن الكريم ورسول الله(ص) وائمة أهل البيت(علیهم السلام).
خامساً: ان اقرار العنصرية سيؤدي إلى النفور من الحكومة الجديدة، وسيؤدي إلى الصراع العنصري وهو مخالف للروايات المشيرة لا حلال الأمن والسلام في الأرض.
سادساً: دلت الروايات على ان الامام المهدي(عج) سيكون شديداً على العرب لتقصيرهم بحق الرسالة، فلو كان الامام(عليه السلام) عنصرياً لمال إلى أبناء لغته.
سابعاً: دلت الروايات على ان اصحاب الامام المهدي(عج) وهم أصحاب الالوية وحكام الله في الأقاليم والقضاة ليسوا من جنس واحد أو عنصر واحد.
ثامناً: ان التمييز العنصري يخالف المصلحة الاسلامية العليا، ولهذا فلا يعمل به.
هل يفرض الامام المهدي(عج) اللغة العربية على الناس؟
انّ المنهج الاسلامي ـ الذي سيطبقه الامام المهدي(عج) ـ لم ينشأ في فراغ، ولم يتحرك في فراغ، ولم ينشأ في قوالب ومظاهر مثالية، وانّما ينشأ في الواقع الموضوعي للحياة، وينطلق في النفس الانسانية من أعماقها واغوارها ومشاعرها الباطنية؛ فهو منهج واقعي ناظر إلى واقع الانسان من حيث هو انسان بما يحمل من غرائز روحية ومادية، ولذا فهو لايبدل ولا يعطل الوقائع والحقائق، بل يحافظ على الواقع السليم، ومنه الحفاظ على وسائل التفاهم بين الناس وفي مقدمتها اللغة، فاختلاف اللغات أمر طبيعي، وقد أقرّه المنهج الاسلامي، فلم يفرض لغة معينة على الناس بما في ذلك لغة القرآن الكريم ولغة رسول الله(ص) وائمة أهل البيت(علیهم السلام).
وفي عهد الامام المهدي(عج) سيكون الأمر على حاله في العهود السابقة لظهوره، فتعدد اللغات أمر طبيعي، ولا يعقل أن يفرض الامام(ع) اللغة العربية على الناس، لانّ ذلك يغاير سيرة رسول الله(ص) وسيرة الامام علي(ع)، بل يغاير ويخالف أدبيات القرآن الكريم، ويخالف ثوابت المنهج الاسلامي، وهو خلاف لبسط العدل والقسط.
ومع عدم فرض اللغة العربية إلاّ اننا نتوقع ان تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للحكومة المهدوية العالمية للأسباب التالة:
أولاً: من الضروري أن تتبع الحكومة المهدوية لغة معينة، وستكون اللغة العربية هي المختارة للمرجحات التالية:
1. انّها لغة القرآن الكريم.
2. انّها لغة رسول الله(ص).
3. انها لغة أهل البيت(علیهم السلام).
4. انها لغة الامام المهدي(علیهم السلام).
5. انها لغة الادعية المأثورة عن رسول الله(ص) وأهل بيته(علیهم السلام).
6. انّها لغة الاذان والاقامة والصلاة ونداءات الحج.
7. انّها لغة الزيارة لقبور الأئمة والأولياء والصالحين.
ثانياً: انّ المسلمين وخصوصاً الجدد منهم سيأنسون للغة العربية للمرجحات السابقة، اضافة إلى انّها لغة المنتصر وهو الامام المهدي(عج)، والانبهار بالمنتصر يجعل الناس يتبنون لغته انبهاراً به فيسهل عليهم تعلمها.
ثالثاً: ظروف وحوادث وأوضاع ماقبل الظهور ستساهم في توجيه الانظار نحو دراسة اللغة العربية لانّها تتعلق بمنطقة أو بقعة جغرافية سيكون لها دور هام في مسقبل البشرية وهي «الحجاز، اليمن، العراق الشام»، وهذا الأمر ظاهرة واقعية، حيث دلت الدراسات والملاحظات الميدانية على توجه انظار الغربيين نحو دراسة اللغة العربية، بل توجه انظارهم نحو دراسة اللغة الفارسية بعد انتصار الامام الخميني(رضي الله عنه) في عام 1979.
رابعاً: ان دراسة اللغة العربية ظاهرة ملموسة في الواقع، وقد وجدنا انّ اغلب علماء المسلمين وأغلب طلاب العلوم الدينية لهم اطلاع واسع على اللغة العربية وعلومها، وفي مقدمتهم علماء إيران وباكستان وافغانستان والهند وروسيا، حيث انّ بعضهم لا يختلف عن ابن اللغة في ضبط القواعد اللغوية.
خامساً: وجود جامعات ومعاهد في اغلب أنحاء العالم تدرّس فيها اللغة العربية، بل انّها مخصوصة لدراسة العلوم باللغةّ العربية.
سادساً: انتشار العرب في كل بقاع العالم يساهم مساهمة فعالة في انتشار اللغة العربية.
سابعاً: انتشار حفظ وقراءة القرآن الكريم في العالم من أهم العوامل المساعدة على تعلّم اللغة العربية.
وستتوجه الشعوب إلى اللغة العربية دون إكراه أو إجبار من قبل حكومة الامام المهدي(عج).
https://ayandehroshan.ir/vdcb.fb8urhb5aiupr.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما