تاریخ انتشارپنجشنبه ۱۵ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۱۴:۰۳
کد مطلب : ۱۲۰۸
۱
plusresetminus
التربية الواعية طريق التمهيد
المحور الثاني: التربية الممهدة والإعداد للظهور
هدى محمد الصالح
المقدمة
في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة الكبرى، أصبح تكليف الموالي ينصب حول إزالة الموانع والعوائق في طريق ظهور المخلص والمنقذ للبشرية لتحقيق وعد الله في أرضه وهو إقامة دولة الحق والعدل الإلهي.وهذا الوعد قابلا للتحقق فهو وعد من السماء لخلافة المستضعفين على كافة الأرض، وحتى تتحقق هذه النبوءة السماوية كان على المجتمع الإيماني أن يبحث عن كل العوامل التي تساعد في تسريع الظهور وإزالة كل العوائق التي تعرقل هذه المسيرة الإلهية.
وأهم محور يدور حوله تكليف الموالي في عصر الغيبة هو تربية النفس، وتربية المجتمع حتى يتحقق وجود قاعدة ممهدة للظهور.فالتربية عامل أساسي من عوامل التمهيد ولها هذا التأثير في خلق جيل واعد يحمل القيم الإسلامية الصحيحة وهي شكل من أشكال التمهيد الذي يعتبر مرحلة ثانية بعد الانتظار الحقيقي للموعود. وفي ظل هذا كان بحثنا يناقش التربية كأساس وكشكل من أشكال التمهيد في عدة فصول:
الفصل الأول: التربية الواعية
الفصل الثاني: الإمام والتربية الإسلامية
الفصل الثالث: مبادئ وأهداف التربية الإسلامية
الفصل الرابع: المناهج التربوية و التعليمية الممهدة
الفصل الخامس: أسلوب ونمط الحياة و التربية الممهدة
الفصل السادس: المؤسسات الثقافية والتربوية الممهدة
الفصل السابع: التحديات، العقبات، الأضرار في التربية الممهدة
الفصل الأول: "التربية الواعية"
ماهي التربية؟
التربية لغة
ربّى يُربّي، ربِّ، تربيةً، فهو مُربٍّ، والمفعول مُربَّى.
2. ربَّى الأب ابنه هذّبه ونمّى قواه الجسمية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها "ربّى يتيماً، "لولا المربي ما عرفت ربي"، " لا تنسى من رباك" (مثل)، "وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"/ الإسراء:24.
مربي الأجيال: المعلم.
التربية اصطلاحا: إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام.
ويمكن القول أن التربية هي: عملية يقصد بها تنمية وتطوير قدرات الأفراد من أجل مواجهة متطلبات الحياة بأوجهها المختلفة _أو هي عملية بناء شخصية الأفراد بناءً شاملاً كي يستطيعوا التعامل مع كل ما يحيط بهم، أو التأقلم والتكيف مع البيئة التي يعيشون بها. و تطلق التربية على كل عملية أو مجهود أو نشاط يؤثر في قوة الإنسان أو تكوينه وهي الوسيلة التي تساعد الانسان على بقائه واستمراره ببقاء قيمه وعاداته ونظمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إذا التربية عملية مستمرة تبدأ منذ الميلاد وحتى لحظة الممات وهي عملية إنسانية يقصد بها أنسنة الإنسان وصناعة الإنسان وهي تحصيل للمعرفة وتوريث للقيم كما هي توجيه للفكر وتهذيب للسلوك، وهذه العملية قد تكون فردية تراعي احتياجات الفرد واتجاهاته وميوله وقد تكون اجتماعية تتم داخل الإطار الثقافي للمجتمع وفق الأيدلوجية السائدة في المجتمع. و قد عرفها علماء التربية الحديثة بأنها تغيير في السلوك. كما أنها في نظر البعض تأخذ منظورا دينيا ويعتبره البعض عملية هدفها الحصول على الإنسان السوي المعتدل كما أقرت بذلك كل الديانات السماوية.
و لقد تباينت الآراء حول مفهوم التربية، فنجد البعض ينظر للتربية أنها تهذيب للأخلاق الحميدة للإنسان وآخرون يرونها عملية روحية هدفها تعميق صلة الإنسان بربه ويرى البعض على أنها إعداد للإنسان للدخول في مجتمع لكي يواكبه وينظر للتربية على أنها تحقق ذات الفرد البشري.
التربية في المفهوم الإسلامي
التربية يعتبر نظام من الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة والمعارف والخبرات والمهارات الإنسانية المتغيرة نابع من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة يهدف إلى تربية الإنسان وإيصاله إلى درجة الكمال التي تمكنه من القيام بواجبات الخلافة في الأرض عن طريق اعمارها وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله تعالى.
ويختلف مفهوم التربية الإسلامية عن غيره من مفاهيم التربية، فالتربية اليونانية مثلاً قد اهتمت اهتماماً بالغاً بالجانب العقلي للإنسان في الوقت الذي أهملت فيه بقية الجوانب الأخرى، في حين أن التربية الرومانية ركزت اهتمامها على الجانب الجسمي مقابل إهمال غيره من الجوانب. أما التربية المسيحية فقد عنيت كثيراً بالجانب الروحي للإنسان على حساب غيره من الجوانب الأخرى... وهكذا.
أما التربية الإسلامية فقد كانت مختلفة عن هذه المناهج كلها، حيث تميز منهجها التربوي بشموله لحياة الإنسان كلها، وعنايته بجميع جوانب النفس البشرية المتمثلة في الأبعاد الرئيسة الثلاثة (الروح، والعقل، والجسم) دونما إهمال أو مبالغة في حق أحد منها على حساب الآخر. والتربية الإسلامية مع شمـولها تسعى إلى تحقيق التوازن المطلوب بينها دونما إفراط أو تفريط، ودون أن يتعدى جانب على آخر. فالتربية الإسلامية تستمد أهدافها ومناهجها وأساليبها ووسائلها من مصادر الشريعة الإسلامية، وهي لا تربي الإنسان لهذه الحياة الدنيا بل تربيه للدنيا والآخرة وتركز على الجانبين المادي والروحي في الإنسان وتراعي في ذلك الشمول والتكامل.
من هو المربي؟ ما صفاته؟
المربي هو ذلك الشخص الذي يحمل مسؤولية التربية على عاتقه ويقوم بالعمل التربوي للأفراد أو المجتمع سواء كان والدا (أبا _ أما) أو معلما أو مرشدا روحيا أو قائدا، وفق المنهج التربوي الإسلامي الذي يستمد شرعيته من خط وسيرة أهل البيت (ع). والمربي يصبو من خلال التربية إلى نقل القيم والقواعد والأعراف والآداب المنشودة إلى أبناء المجتمع. ويتميز هذا المربي بعدة مميزات وخصائص ذاتية وعملية ومن أهم الخصائص الذاتية للمربي:
_ العلم والمعرفة: بالإضافة إلى اطلاع المربي بمختلف العلوم التي تفيده في العمل التربوي لابد أن يكون لديه إلمام بأحوال وظروف المجتمع الذي يعيشه، وخصائص الأفراد من حيث الأفكار والعواطف والممارسات العملية، والأحداث والتيارات والأنشطة، وأن يتمتع بالقدرة على التشخيص بما ينبغي عليه من العمل تبعا للظروف من حيث الشدة واللين والتأني والإسراع، إضافة إلى إلمامه بالفوارق بين بيئة وأخرى وزمان وآخر وقوم وآخرين.
_ القدوة: المربي هو من أكثر أفراد المجتمع عرضة للتشبه به ثم تقليده ثم الاقتداء به لأنّه على علاقة متواصلة مع الناس والأفراد المراد تربيتهم سواء أكان والداً أم والدة أم معلماً أم عالم دين. وإذا لم يكن المربي قدوة لغيره فإنّ عمله لا يثمر، ولا يستطيع أن ينفذ إلى القلوب ليوجّهها نحو الاستقامة والصلاح ما دام لا يطابق فعله قوله، وعمله تصوراته، حيث لا يبقى لموعظته أيّ أثر ايجابي على ممارسات وسيرة المراد تربيتهم. قال الإمام الصادق(ع):«إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا»/ الكافي:
ج1 ص44.
وقد دعا (ع) إلى أن يكون المربي والداعية مجسداً للسلوك الصالح في حركته، وأن يكون مربياً بسيرته قبل التربية بلسانه، فقال(ع):"كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصبر والخير، فانّ ذلك داعية"/ الكافي:ج2 ص78.
_ البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام: البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام من الممارسات المحبوبة عند جميع الناس، وهي تسهم في جذب الناس وامتلاك عواطفهم ومشاعرهم؛لأنّ الناس يتأثرون بالشخص قبل التأثر بالمفاهيم والأفكار، وهم يقيسون الانسان على ظاهره قبل باطنه، فحينما يرونه بشوشاً طليق الوجه لين الكلام فإنهم سيتوجّهون إلى أفكاره ورغباته بشوق وجاذبية.
وفي ذلك قال أمير المؤمنين (ع):« طلاقة الوجه بالبشر والعطية وفعل البرّ وبذل التحية داعٍ إلى محبّة البرية / غرر الحكم
بالإضافة إلى خصائص عمليه أهمها: المداراة، والحلم والصبر، والقدرة على التقييم الموضوعي للأفراد والكيانات الاجتماعية القائم على أسس وموازين سليمة من حيث قربهم وبعدهم عن الاستقامة الفكرية والسلوكية.
المربي القائد:
القيادة: هي القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة.فهي إذن مسؤولية تجاه المجموعة المقادة للوصول إلى الأهداف المرسومة
والقائد: هو الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف محددة، يسطر أهدافا ويسعى لتحقيقها وله رؤيا ثاقبة صائبة للمستقبل، يمتاز بمرونة في التفكير والتعامل.لا يستبد برأيه بل يحاور من حوله لإقناع الآخر بما في يديه من شواهد ودلائل على صواب الرأي.وهو يزرع بذور الهمة فيمن حوله ويدربهم لتحمل المسؤولية حتى إن غاب سدوا فراغه، ولا يدب فيهم الضعف أو يتيهون بمجرد غيابه.
أيضا يصمد أمام التحديات والأزمات ويبحث لها عن مخرج وسبل ناجعة لتفادي تداعياتها، شيمته الثبات عند المحن.يبحث عن مكامن القوة فيمن حوله ويستثمرها وينميها لتحقيق الأهداف التي سطرها سلفا، والتربية الإسلامية تتميز بإنتاجها من القادة المربين الذين يؤثرون في مجتمعاتهم ويحققون أهدافها في تنشئة أفرادها وفق المنهج الإسلامي للتربية. والحاجة إلى القائد أمر ضروري ومن ضروريات الحياة، فلا يمكن أن يكتمل أي عمل دون أن يكون له قائد يوجه حركته وينظمها. وسيرة الرسول خير مثال فهو لم يترك المدينة يوما لغزو أو غيره دون أن ينصب من ينوب عنه في غيابه.
التربية الواعية والتمهيد:
التربية الممهدة هي تربية وفق منهج تربوي إسلامي يستمد شرعيته من خط أهل البيت (ع)، تركز في أهدافها على خلق جيل ممهد ينتهج الثقافة المهدوية سعيا للتمهيد للظهور المقدس. وذلك بتوفير آليات التمهيد لهذا الجيل من خلال تنشئة الفرد وتربيته تربية إيمانية مساهمة لإصلاح ذات الفرد وبالتالي المساهمة في إصلاح المجتمع. وتمتلك هذه التربية مقومات بناء الشخصية الإسلامية وفق منهج أهل البيت (ع)، بزرع القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية وهي عملية تغيير للمحتوى الداخلي للإنسان، وصياغة جديدة لأفكاره وعواطفه وممارساته، يتصف مربوها بصفات وخصائص تؤهلهم لتحقيق مظاهر المسؤولية في الواقع الإنساني والاجتماعي.
ومن مميزاتها أيضا وجود القيادة الموجهة التي ترتكز عليها العملية التربوية بوضع الخطط المناسبة وفق ما يتناسب ومتطلبات الساحة الاجتماعية واحتياجات أفرادها. وتوفير آليات العمل التربوي بإيجاد المناهج التعليمية والتربوية المناسبة. والأهم من ذلك تتمتع هذه القيادة بالحذاقة وبعد النظر بحيث تلاحظ الطاقات الفردية للمربين وتعمل على تطويرها وتنميتها لتوظفها وفق ما يناسب العمل التربوي، كما تشكل هذه القيادة القدوة الأفضل في طريق التربية الأمر الذي يكسبها صلاحية التوجيه والتوعية للأفراد والمجتمع، بما تمثله من حضور وعطاء في سبيل خدمة الهدف الذي تسير بموجبه في خدمة التمهيد.
الفصل الثاني: الإمام والتربية الإسلامية
المعصوم والتربية الإسلامية
الإمام النموذج الأكمل للمربي:
مثَّل أهل البيت (ع)عبر سيرتهم وتكاملهم في جميع القيم الإنسانية عنصر القدوة في المجتمع الإسلامي بل والإنساني بأجمعه. فإذا شئنا أن نكون مسلمين كاملين وأن نصل إلى كمالنا الإنساني بالتربية والتعليم الإسلاميَّين، فعلينا أن نعرف من هو الإنسان الكامل، وما هي ملامحه الروحيّة والمعنويّة، وما هي مميّزاته، حتّى نستطيع أن نصنع أفراد مجتمعنا، وأنفسنا على شاكلته. و قد كانت سيرة أهل البيت تزخر بكل ما يغذي الحياة من فكر وعبادة ونهج حياة، وأهم خطوة نخطوها في مسألة التربية الإسلامية معرفة النهج الذي تغرف منه أفكارها التربوية وفهمه فهما تطبيقيا، بطرح ذلك الفكر التربوي لأنه ينبع من أصالة القرآن الكريم والنهج المحمدي.
نظرية الإمام علي(ع)
عند البحث فيما بين أيدينا من نصوص وبالاستعانة بعمليات الاستدلال والاستنباط نستطيع أن نتوصل إلى مفهوم يقرب العملية التربوية في كلام أمير المؤمنين(ع). فقد أبان الإمام علي(ع) عن ركيزتين أساسيتين لا قيام للتربية بدونهما حيث يقول(ع):"أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي، كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَات الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ، وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ؛مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ؛لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ"(1). ألا وهما:
_ مرونة الفطرة الإنسانية بقوله:"وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ؛مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ" مشيراً بذلك إلى فترة النضوج ومرحلة التكامل الإنساني.
_ الميل الفطري لدى الإنسان إلى التقليد بتعبيره البليغ بقوله:"فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ"، ويعني بذلك أنه سيسأله أو سيسأل غيره حتماً في هذه الأمور فلذلك بادره هو قبل أن يبادر إليه غيره.
وقد حرص(ع) على أن يوثِّق الصلِّة بين التربية النظرية والتربية التطبيقية؛ببيان أهمية العمل بما نعلم ويظهر هذا فيما ورد نقلاً عنه حيث قال:"الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ عَنْهُ ".وركز(ع) على تأثر العملية التربوية بطبيعة المتعلم وما ينتج عنها من سلوك، فطبيعة المتعلم عند الإمام علي(ع) هي نتاج عوامل الوراثة والبيئة والوسط الاجتماعي، وهذا ما أكدته الدراسة الحديثة في علم النفس وأصبح البحث يجري الآن في بيان مقدار أثر كلٍّ منهما في طبيعة الإنسان؛قال(ع) في وصيته لابنه الحسن(ع):"فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ بِهِ جَاهِلًا، ثُمَّ عُلِّمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الْأَمْرِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ، وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ، ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ".
كما اهتم بتربية النشء ويعلل الإمام علي(ع)أهمية هذا بأمرين:
_ مرونة الطفل وقابليته الكبيرة في هذه المرحلة العمرية للتوجيه والإرشاد من جهة.
_ صعوبة قدرة الطفل على الاختيار من بين الخبرات التربوية المتعددة والمتراكمة من جهة أخرى.
يقول(ع):"وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ؛مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتغل لُبُّكَ؛لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ".
وقد أكدَّ علماء التربية على أهمية السنوات الأولى من عمر الطفل لأنّ السيطرة فيها تكون للاوعي على الوعي، واللاوعي مستعد لتقبل كل الإيحاءات والمفاهيم، لذلك فكل ما يوحيه محيط الطفل الخاص في هذه المرحلة من أولي الأمر، إنما يتقبله الطفل ويرسخ في قلبه وفي عقله. ولا يعني هذا أنّ من فاته من تلقِّي العلم في مرحلة الطفولة لن يتعلمه في المراحل التالية من العمر؛لأنّ التعليم في الإسلام، لم يتقيد بسنٍّ محددة. بل إنّ العمر كله يجب أن يكون مسرحاً لتلقي التعليم.
واهتم بتربية العقل فأعطاه منزلته التي أعطاه إياها الإسلام؛فهو مناط التكليف، ومناط التفكير العلمي الذي يعتبر أساس كل شيء في الحياة، ومن الوسائل التي يمكن تحقيقها لتربية العقل في نظر الإمام علي(ع) التأمل العقلي:وكان يقول في تربية العقل:"لَا غِنَى كالعقل، وَلَا فَقْرَ كالجهل، وَلَا مِيرَاثَ كَالأدب، وَلَا ظَهِيرَ كَالْمشاورة". ومن حكمه قوله:"إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكلام ".
و كذلك العلم، قال الإمام(ع) لتلميذه كميل بن زياد:"يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المال، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المال، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النفقة، وَالْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى الإنفاق". والخير كله في كثرة العلم قال الإمام(ع):"لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وولدك، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ علمك". وأفضل طريقة عنده(ع) لتحصيل العلم هي الإكثار من مجالسة العلماء ومناقشتهم وفي هذا تنمية للقدرة على التأمل والنظر والتفكير، وعن طريق محاورة العلماء تتم عمليات نقل الأفكار إلى الأجيال اللاحقة. قال(ع) لعامله على مصر مالك النخعي:"وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ".
وكذلك اهتمامه بتنقية التراث الثقافي ونقله للناشئين ويرى(ع) أنّ أول ما يجب تعليمه للأجيال الجديدة القرآن الكريم والتفسير، لاشتماله على كل ما يحتاج إليه الناس في حياتهم الدنيا والآخرة، ولبيانه لكثير من أحوال الأمم الماضية، قال(ع) في وصيته لابنه الحسن:"وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ لَا أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ". ويشير(ع) إلى أنّ التراث الثقافي ليس كله نافعاً للأجيال الناشئة. وواجب المربي حينئذ تنقية هذا التراث من الشوائب قبل تقديمه للمتعلم، وأكد على ذلك في وصيته لابنه الحسن بقوله:" ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِحْكَامُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِكَ إِلَى أَمْرٍ لَا آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ"
الإنسان والتربية في نظر الأئمة(ع):
أثبتت الدراسات التربوية والاجتماعية الأثر الواضح للوراثة والمحيط الاجتماعي في تكوين شخصية الانسان، حيث تنعكس على جميع جوانبها الجسدية والنفسية والروحية فغالبية الصفات تنتقل من الوالدين والأجداد إلى الأبناء، إما بالوراثة المباشرة والقابلية للإتصاف بهذه الصفة أو تلك، ثم يأتي دور المحيط ليقرر تشكيل شخصية الانسان.
دور الوراثة:
قال الإمام الصادق(ع):"إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين أبيه إلى آدم ثم خلقه على صورة أحدهم فلا يقولن أحد هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي"
فالوراثة تؤثر في تحديد أغلب خصائص وصفات الشخصية حيث تخلق الاستعداد في النفس فإذا وجدت البيئة المناسبة نمت وترعرت بالاتجاه المناسب لها ومن هذه الصفات والخصائص:الصفات الجسدية كالطول ولون البشرة، والصفات العقلية كالذكاء أو البلادة، الطباع والسجايا كالاهتمام وعدم المبالاة، والمزاج العصبي وغرابة الطبع وغيرها.
دور المحيط (البيئة):
تشترك الوراثة مع البيئة الاجتماعية في البناء التربوي للإنسان بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، لأنهما متكاملان متكاتفان، حيث تخلق الوراثة القابلية والاستعداد للاتصاف بهذه الصفة أو تلك إن وجدت المحيط والبيئة المناسبة، وتشترك البيئة والوراثة في خلق الشخصية بما في ذلك المسائل العقائدية والقيم، والبيئة تشمل جميع مواقع التأثير في الواقع الاجتماعي وأهمها: الأسرة، الأصدقاء والأصحاب قال الإمام زين العابدين(ع):"مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح" ومجالس الذكر حيث أن هذه المجالس تخلق أجواء تربوية فكرية وسلوكية تؤثر تدريجيا في المشاركين فيها، قال الإمام الصادق(ع):"تزاوروا فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم، وذكر لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم".
الإمام والمشروع التربوي الممهد (بناء الجماعة الصالحة):
عندما بدأ أهل البيت عليهم السلام بناء الجماعة الصالحة وضعوا مجموعة من القواعد والأسس القوية المحكمة لإرساء هذا البناء عليها، وقد تم استنباط هذه القواعد من الرسالة الإسلامية الخاتمة بحيث تمثل الفهم الصحيح من ناحية، وتحقق الأهداف الخاصة من ناحية أخرى.وتمثل هذه الجوانب والأسس مقومات بناء الشخصية الإسلامية وهي:
الجانب العقائدي: اهتم أهل البيت(ع) اهتماما خاصا ومتميزا بجانب الفكر والعقيدة، لأنه يعتبر الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه بناء أي جماعة بشرية. وبمقدار ما يكون هذا البناء قويا وواضحا وشموليا ومنسجما، تكون الجماعة قوية وقادرة على مواجهة المصاعب والمشكلات والظروف المختلفة.وذلك من خلال الالتزام بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة بطرح ما يتناسب مع الفطرة الإنسانية السليمة.
الجانب الأخلاقي: وتعبر الأخلاق عن الجانب الوجداني والمعنوي للسلوك الإنساني، وأرداوا بذلك أن يوجدوا نوعا من الحصانة النفسية والروحية في أتباعهم عن الوقوع في الانحرافات الأخلاقية، وحتى يمثلوا القدوة والمثل الأعلى في المجتمع الإسلامي بحيث تكون الجماعة الصالحة موضع الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع الإسلامي.
الجانب الثقافي: اهتم أهل البيت(ع) بهذا الجانب من خلال تحديد مصدر الثقافة الإسلامية المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ومرجعية أهل البيت(ع)، وذلك بالحث على طلب العلم والتنوع في أساليب التعليم كالدعاء والوصية والرسائل والمجالس الحسينية، والتنوع في مجالات التخصص العلمي، وتأسيس المؤسسات الثقافية كالمساجد والحوزات العلمية.ومن أهم المظاهر التي تعكس هذا الجانب إقامة الشعائر
الحسينية وهي ذات أهداف وجوانب متعددة سياسية وثقافية وعقائدية وروحية.
الجانب الروحي والمعنوي: يعتني هذا الجانب بالمشاعر والعواطف والإحساسات الروحية والمعنوية لأن سلوك الإنسان يتأثر بهذا الجانب، ولقد اهتم أهل البيت(ع) بهذا الجانب وذلك من خلال تصعيد روح التقوى والتأكيد على الارتباط بالله عز وجل، وتصعيد درجة الولاء والانتماء لأهل البيت(ع)، وترسيخ روح التضحية والفداء والاستعداد للتنازل عن الدنيا وشهواتها من أجل العقيدة والمبدأ من خلال التأكيد على ملحمة الإمام الحسين(ع) من أجل جعل التضحية منارا يقتدي به السائرون في طريق الجهاد.
دور أئمة أهل البيت(ع) في بناء الجماعة الصالحة للتمهيد للظهور:
كان أهل البيت(ع) يطرحون فكرة المهدي المنتظر والقائم بالأمر لإنقاذ البشرية من الظلم والطغيان والفساد، حتى كان الكثير من المسلمين في مختلف عصور أهل البيت وحتى بعض أتباعهم يتصور أن أحدهم هو القائم المهدي.وقد وضع الأئمة(ع) في منظورهم عند بناء الجماعة الصالحة أن تقوم بهذا الدور في عصر الغيبة، ليس على المستوى الفكري والعقائدي فحسب، بل على المستوى العملي أيضا، فكان أحد أهداف وجود هذه الكتلة الصالحة هو التمهيد للظهور وذلك من خلال النقاط التالية:
_ بقاء فكرة الظهور حية في وسط هذه الجماعة من المسلمين مع الارتباط الحقيقي بها و الاحساس بالانتظار، وجعله شعارا مطروحا في وجودها الثقافي ووعيها السياسي.
_ التمهيد عند الجماعة الصالحة حركة سياسية جهادية في الأمة تتميز بالشعور بالمسؤولية تجاه ما يجري من أحداث، وتملك الإرادة في العمل على تحقيق هذا الهدف، وعدم الاستسلام للطغاة أو الضغوط الحضارية أو الثقافية التي تواجهها عبر عصور التاريخ.
_ المساهمة الفعالة في عملية الظهور وإنجاحها في مواجهة الحضارات المادية واللادينية التي تتحكم الآن في رقاب العالم.
و من الممكن أن نشاهد هذا الدور الذي تقوم به الجماعة الصالحة واضحا في العودة إلى الإسلام في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بعد محاولات القضاء عليه، وإبعاده عن الحياة خصوصا في هذا العصر. فبقاء واستمرار دور الأئمة عليهم السلام في المجتمع الإسلامي يتم بواسطة الجماعة الصالحة بعد فرض الغيبة الكبرى للإمام الحجة(ع).لذا كان من الضروري وجود هذه الكتلة الصالحة بتخطيط مقصود من قبل الأئمة(ع).
الفصل الثالث: مبادئ وأهداف التربية الإسلامية
أهداف التربية
إن هذه الأهداف والمبادئ تستمد شرعيتها ووضوحها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، بتأكيد الانتماء والمرجعية لأهل البيت عليهم السلام الذين وضحوا هذه الأهداف ورسموها في طريق بناء الفرد والمجتمع.وممكن تحديد هذه الأهداف كأهداف عامة وخاصة من خلال التأمل في نظرية التربية الإسلامية وفق منهج أهل البيت(ع).
الأهداف العامة للتربية الإسلامية
1. معرفة الله حق المعرفة، بالوقوف على ما أمر به ونهى عنه، وما يترتب على ذلك من الالتزام وإخلاص التوكل على الله.
2. التربية الخلقية والالتزام بمكارم الأخلاق، وترجمتها في سلوك فعلي في حياة الإنسان، إذ لا معنى للخلق بدون عمل.
3. التربية العقلية، وتدريب حواس الانسان وعقله حتى ينمو نموا متدرجا وينتقل من الجهل إلى العلم، وذلك بدراسة العلوم الشرعية وكذلك العلوم الكونية.
4. التربية البدنية، وتدريب الجسم حتى ينمو متدرجا، وينتقل إلى تمام الإدراك والحركة الفاعلة.
5. التربية العملية، وتدريب الإنسان في سبيل استثمار الأشياء استغلالا يتوافق مع طبائعها ومع تحقيق مصلحته.
6. التربية على أحكام الشريعة، والالتزام بأوامرها، وتحقيق التقوى والورع ومداراة الناس.
7. التربية الاجتماعية، بحيث يتدرب الانسان على العيش مع غيره من آباء وأقارب، وعلماء ورجال وسلطان.
8. التربية على التعايش مع الابتلاء، والتأدب مع أدب الله معه، كالصبر والشكر، وتقدير المعيشة حسب الرزق وغير ذلك.
الأهداف الخاصة
1. تنمية الحياء: يحصن الانسان عن الرذيلة وجميع ألوان الانحراف، وله آثار تربوية إيجابية جاءت في أحاديث أمير المؤمنين فقال(ع):"الحياء مفتاح كل خير"و "من كساه الحياء ثوبه خفي عن الناس عيبه".
والحياء إيجابا هو الحياء من الله تعالى ومن النفس ومن المجتمع والقانون، وهو يحقق آثارا صالحة في الفكر والسلوك، قال الإمام الكاظم(ع):"استحيوا من الله في سرائكم كما تستحيون من الناس في علانيتكم" وقال أمير المؤمنين(ع):"غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه".
فالحياء من الله ومن النفس يردع الانسان عن الانحراف الخفي وغير العلني، والحياء من المجتمع والقانون يردعه عن الانحراف العلني والمخفي معا خوفا من انكشافه أمام الملأ.
2. تنمية الضمير: والضمير يشكل حالة وعي ذاتي لدى الفرد يحميه في كل الأحوال والظروف سرية كانت أو علنية قال زين العابدين(ع):"ابن آدم إنك لا تزال بخير ماكان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة لها من همك".
والضمير ينمو باتجاه الاستقامة من خلال التربية المتواصلة والتوجيه الدائم من قبل المربي باحترام القواعد السلوكية داخل المجتمع، والأهم من ذلك فإن الارتباط بالغيب هو الأساس في تنمية الضمير ليؤدي دوره في التوجيه والتهذيب والردع، لأنه يشعر بالرقابة الغيبية التي تراقبه وتتابعه وتحصي عليه سكناته وحركاته.
3. التقويم الذاتي ومحاسبة النفس: قال أمير المؤمنين(ع):"الخير كله فيمن عرف قدر نفسه وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدر نفسه" ومن معرفة النفس معرفة عيوبها، فمن خلال معرفة عيوب النفس يشغل الانسان عن عيوب غيره، ويتوجه إلى إصلاح عيوبه بالطرق والأساليب المتاحة ويتعاون مع غيره إن عجز بمفرده، قال الإمام الصادق(ع):"أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه". وبعد التقييم الذاتي ومعرفة النفس يأتي دور المحاسبة لها وهو يساهم في إيقاف الانحراف، والتوجه إلى الإصلاح والتكامل والبناء التربوي الصالح للفرد وللمجتمع.
4. التقويم الاجتماعي: من خلال التقويم الاجتماعي يتعرف الانسان على نواحي القوة والضعف في نفسه وسلوكه، وعلى إمكانيات خافية أو غير معلومة، وعلى الأغراض والدوافع التي تقوم وراء سلوكه، قال أمير المؤمنين(ع):"المرآة التي ينظر الانسان فيها إلى أخلاقه هي الناس لأنه يرى محاسنه من أوليائه منهم، ومساويه من أعدائه منهم".
بعد زرع وتحقيق هذه الأهداف في ذات الفرد المؤمن، أصبح من السهل تسخير هذا الفرد في خدمة القضية المهدوية، وتوظيفه في العملية التربوية وفق ما يتناسب وطاقاته وقدراته وذلك بتنمية هذه القدرات وتطويرها بعد الملاحظة والعناية من قبل المربي.ويعني ذلك أن يضع كل فرد وفق تخصصه المناسب حتى يتمكن من العطاء بشكل لا يعيق العملية التربوية الممهدة، بل يسهم في تطويرها وخدمة أهدافها.
الفصل الرابع: المناهج التربوية و التعليمية الممهدة
الفرق بين التربية والتعليم
البعض يرى أن التربية مرادفة للتعليم وآخرون يرون غير ذلك بمعنى أن التربية غير التعليم مع أنهما كلمتان بينهما ترابط وتداخل تام وهناك فرق واضح بين عملية التربية من جهة والتعليم من جهة أخرى، فالتعليم يمثل جزءا من التربية، والتربية تشمل التعليم والعكس غير صحيح.فالتربية هي عملية تنمية متكاملة لكافة قوى وملكات الفرد، بمختلف الأساليب والطرق، ليكون سعيدا وعضوا صالحا في مجتمعه، وهي تشمل جميع جوانب شخصيته الروحية والعقلية والخلقية والاجتماعية والوجدانية والجمالية والبدنية..
أما التعليم فيعني إيصال المادة العلمية إلى أذهان التلاميذ، وليس شرطا أن يتفاعل معها ويتمثلها في سلوكه كما تهدف إليه التربية فهو جزء من العملية التربوية الكاملة هدفها تنمية عقل الفرد وتمكينه من اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لحياته.
وهدف التربية يتجه إلى تنمية وصقل جميع جوانب الشخصية الإنسانية بما يكوِّن في المجتمع أعضاء صالحين قادرين على مساعدة وإسعاد أسرهم وأقاربهم وإعانة بقية أفراد مجتمعهم حريصين على القيام بواجباتهم الإنسانية تجاه غيرهم. والتربية تعد الفرد للحياة منذ المهد إلى اللحد ولكن التعليم يعد الفرد إلى الوظيفة والمهنة التي سوف يمارسها مستقبلا وقد يتوقف عند هذا الحد، والتربية غاية في حد ذاتها فهي توصل الفرد إلى أرقى درجات الكمال بينما التعليم يعتبر وسيلة من وسائل التربية.
عند أدراكنا الفرق بين التربية والتعليم فإنه يلزمنا إعداد المربي القدير الذي يزرع القيم والصفات الحميدة في أبنائنا لا أن تكون مهمته حشو المعلومات في ذهنه فقط.فعملية التعليم إذا زالت عنها السمة التربوية وأصبحت مجرد حشو وتكديس لمعلومات لا تفيد في تشكيل الشخصية أو تعديل اتجاهاتها بالشكل الإيجابي المرغوب منها، والحاجة الماسة تظهر دائما للمربي الواعي الذي يمكنه القيام بعمليتي التربية والتعليم معا، وذلك يأتي باقتران أقواله بأفعاله، فيساعد على تكوين الشخصية السوية المتكاملة لا المعلم الذي يقتصر دوره على تلقين الدروس والمعارف. وهذا ما يميز التربية الممهدة فهي تنتهج كلا العمليتين في تربية الفرد والمجتمع وهي تستقي مناهجها من منابع أصيلة تؤثر في دفع العملية التربوية نحو تحقيق أهدافها و يتميز المنهج التربوي الممهد أنه مستمد من منهج أهل البيت(ع) وهو متداخل مع بقية المناهج التي تكوّن مجتمعة منهج الإسلام الشامل والكامل للكون والحياة والمجتمع و الانسان، فلا فصل بين المنهج التربوي وبقية المناهج ولا تصادم ولا تضاد ولا تناقض، لأن الهدف الأساسي لأهل البيت(ع) هو انجاح مسيرة التربية وإشاعة الاخلاق الفاضلة وتقريرها في واقع الحياة، ويتميز هذا المنهج بعدة أمور منها:
ربانية المنهج التربوي
جميع ما يصدر عن أهل البيت(ع) هو صادر عن رسول الله (ص) عن الله تعالى، فمنهجهم هو منهج الله تعالى وهو منهج رباني قال أمير المؤمنين(ع):"إن رسول الله أدبه الله وهو أدبني، وأنا أؤدب المؤمنين، وأورث الآداب المكرمين" وبالتالي يكون المنهج الموضوع من قبله تعالى كاملا لا نقص فيه فيستجيب له الانسان مطمئنا بأنه المنهج الأمثل في التربية.
شمولية المنهج التربوي
يمتاز المنهج التربوي الممهد بالشمول، فهو يراعي الانسان في جميع مقوماته، وينظر إليه من جميع جوانبه، وهو موضوع للانسان ككل فلا انفصال بين حاجات الجسد وحاجات الروح، فهو يدعو إلى إشباع حاجات الانسان لكي يتقبل ما يلقى إليه من قواعد وأسس تربوية وتوجيهية وإرشادية.
واقعية المنهج التربوي
راعى المنهج التربوي لأهل البيت(ع) واقع الانسان ناظراً إلى جميع جوانبه داعياً إلى اشباعها بتوازن بحيث لا يطغى جانب على جانب، ولا ناحية على ناحية، وقد وضع لكل جانب مقوماته وحدوده الواقعية فلا تقييد مطبق ولا اطلاق العنان دون تناهٍ. وهو منهج تتقبله العقول والنفوس بلا حرج ولا مشقة، وهي سهلة التطبيق لمن استعدّ لها وتهيأت له الأرضية المناسبة عن طريق الوراثة والمحيط الاجتماعي في جميع مراحله.
التوازن والاعتدال
يمتاز المنهج التربوي عند أهل البيت(ع) بالتوازن والاعتدال في جميع جوانبه المرتبطة بالإنسان، فيضع لكل شيء حدوده وقيوده، فلا يطغى جانب على آخر ولا ناحية على اُخرى، فهو يراعي حاجات الجسد وحاجات الروح في آن واحد، ويراعي حاجات الإنسان بشطريه: الذكر والأنثى، ويراعي حاجات الفرد والمجتمع فلا تطغى حاجة على اُخرى ولا جانب على آخر ولاحق على آخر.
الفصل الخامس: أسلوب ونمط الحياة و التربية الممهدة
نمط الحياة
إن نمط الحياة الاجتماعية له تأثير كبير على مسيرة التربية الممهدة، وذلك بملاحظة تأثير هذا النمط في سلوك الأفراد والجماعات حيث يتأثر كل فرد بسلوك فرد آخر وكل منهما يؤثر على سلوكيات المجتمع، والبيئة والوراثة من أهم العوامل التي تؤثر على السلوك، هذا إن كان الفرد والمجتمع يسير وفق منهج التربية الممهدة أما إذا انتهج منهجا مختلفا فإن السلوكيات السائدة ستعرقل سيرها وبالتالي يزيد من الصعوبات في تحقيق أهدافها.
_ السلوك:هو النشاط الإنساني الذي يصدر عن الانسان من قول أو فعل أو عمل سواء كان إراديا أو غير إرادي، وظاهرا وباطنا.
_ أما السلوك في القرآن الكريم فيعبر عنه بمصطلح العمل، فالعمل الصالح يقابل السلوك المرغوب فيه قال تعالى:"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"(النحل 79)، والعمل غير الصالح يقابل السلوك غير المرغوب فيه قال تعالى:"من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها"(غافر4).
والسلوك الواعي التربوي يستمد توجيهاته من أئمة اهل البيت ع الذين استنبطوا أساليبهم الإرشادية في تعديل السلوك الإنساني وإصلاحه من القرآن ومن النهج المحمدي واعتمدوا في كل حركة وسكنة لهم على هذا النبع الصافي الذي لا ينضب قال الإمام موسى بن جعفر(ع)(كل شي نقوله في كتاب الله وسنته).
فالإمام(ع)لا يتقيد بأسلوب معين كما تقيدت به النظريات وأصبحت ضيقة المنظور لأنها تنظر إلى الإنسان من جانب واحدة عدته مهما في الشخصية وأسست عليها نظرياتها كنظرية التحليل النفسي التي اهتمت بالدوافع الجنسية واعتبرتها حلا لكل المشاكل او النظرية السلوكية التي اعتبرت المثير والاستجابة وضبطها حلا لكل المشاكل ثم جاءت نظرية التعلم الاجتماعي التي اعتمدت التعلم من خلال الانموذج التعليمي فقط لاغير وآخرون اعطوا للافكار اهمية في تغيير السلوك (النظرية المعرفية).
أما الامام(ع) استعمل كل الأساليب الحديثة وأعطى لكل مشكلة أسلوبا خاصا بها مهتما بالفروق الفردية للأفراد فهو ينظر للإنسان على انه وحدة متكاملة)اذا اشتكى منه عضوا تداع له سائر الجسد بالسهر والحمى) من هنا جاء تعدد الأساليب الارشادية في تعديل السلوك الانساني لدى الامام(ع) وهو ما غفل عنه الغرب حينما أسس نظرياته في تعديل السلوك الإنساني.
ومن السلوكيات المؤثرة على نمط الحياة الاجتماعية
_ السلوك الفردي: وهو سلوك يقوم به الفرد، وقد وجه السلوك خلال منهج آل البيت إلى مايوافق الفطرة الإنسانية وإشباعها، بتعميق ارتباط الفرد بخالقه عباديا فالإيمان بالله تعالى وبمبدأ المعاد والثواب والعقاب والرضا بقضائه له تأثير إيجابي في توجيه سلوك الفرد نحو الصلاح والاستقامة، ومن جهة أخرى توجيه السلوك الفردي نحو التكامل الذاتي لروح الإنسان من خلال تربية النفس وتزكيتها ووضع لها النظم والآداب والسلوكيات التي رسمها الشارع المقدس.
وسلوك الفرد ناتج لأفكاره التي اكتسبها في العملية التربوية لأن الفرد يفكر وفق هذه التربية وأهدافها، وتتحدد دوافعه ورغباته من خلالها فهو ينظر للمستقبل المشرق بنور الله في أرضه كهدف يسعى للوصول إلى حقيقته من خلال تفاعله مع أفراد مجتمعه في تنظيم العمل التربوي الممهد والتزامه بأداء واجباته الاجتماعية واندفاعه لتغيير ذاته ورغبته في تغيير واقعه الذي ساده الفساد والانحراف.
_ السلوك الاجتماعي:وهو سلوك تقوم به جماعة إما في وقت واحد أو في أوقات مختلفة. وهو ناتج عن الضغط الاجتماعي نتيجة الظروف التي يعيشها المجتمع في ظل الغيبة من ظلم واضطهاد وعدوان، وضياع للحقوق، فيقف أفراد هذا المجتمع على المشكلة القائمة والتي أساسها غياب الحجة(ع) فيتفقون على الحل الأنسب والأمثل لها وهو إزالة جميع العوائق وتهيئة الأرضية للظهور.
وينشأ هذا السلوك بسبب العوامل المترسبة من الظلم والتضييق الذي يعيشه المنتظرون في زمن الغيبة، وكل ما يحتاجه المجتمع في ظل هذه الظروف هو قيادة محركة توجه الأفراد، وهذا ما يجعل السلوك الجماعي أقوى وأكثر حظا في إصابة الهدف، يتميز هذا السلوك وفق منهج التربية الممهدة باكتسابه لطابع الخشية من الله و الامتثال لأوامره، والتقوى.
الفصل السادس: المؤسسات الثقافية والتربوية الممهدة
المؤسسات الثقافية:
بعد تشخيص المناهج التعليمية في التربية الإسلامية، أصبح من مهام المربيين في التربية الممهدة إنشاء مؤسسات ثقافية تحوي هذه المناهج من أجل تطبيقها، خاصة أن هذه المناهج لا يمكن أن تستوعبها المؤسسات العامة مهما كانت كفؤ، عدا أن فرصة استفادة المربين في التربية الممهدة من هذه المؤسسات هي فرص محدودة.لذلك كان الاهتمام بتأسيس هذه المؤسسات ومنها ماهو اجتماعي، أو علمي، أو ديني.
المؤسسات الاجتماعية
الأسرة: التربية الإسلامية تولي اهتماماً كبيراً بتكوين الأسر وبنائها في المجتمع، وحيث إنها تريد من الأسرة المسلمة أن تكون مؤسسة تربوية إسلامية، وليس مجرد مؤسسة تربوية لا تقيم أهمية لما سيكون عليه أبناؤها وأفرادها، جعلت التربية الإسلامية من وظائفها تربية أفراد المجتمع المسلم الكبار والمسؤولين عن تكوين الأسر على معرفة المبادئ والمعايير والأحكام التي ينبغي أن تراعى في تكوين الأسرة، لتكون أولاً أسرة مسلمة، ولتكون بالتالي مؤسسة تربوية إسلامية، صالحة لتربية الجيل المسلم من الأطفال والناشئين، وذلك بتعريف مؤسسي الأسرة المسلمة الوالدين بوظائفهما، وواجباتهما التربوية تجاه أولادهم، والناشئين تحت رعايتهم.
المؤسسات العلمية
الحوزات العلمية: لقد تم وضع نظام قوي ومتين لهذه المؤسسات من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف العلمية والتربوية والروحية، فضلا عن مساهمتها في المجالات الأخرى الاجتماعية والسياسية والتنظيمية.وكان من أهم أهدافها تخريج المجتهدين والمحققين في الأصول والفقه والعلوم الإسلامية، مضافا لتخريج المبلغين من علماء، والمحافظة على التراث الإسلامي، ومواجهة التيارات الفكرية المنحرفة.. وقد تميزت الحوزات العلمية باتباعها لمنهج تصعيد روح الشعور بالمسؤولية الشرعية، والدرجة العالية من التقوى والزهد والتربية الروحية والنفسية.ومن أمثلتها:الحوزة العلمية في قم وفي النجف الأشرف، والحوزة المهدوية النسائية للعلوم الإسلامية بالحجاز.
دور الحوزة المهدوية في التربية الممهدة
تأسست هذه الحوزة المباركة منذ عام 2005 م بالحجاز، ولها سبعة فروع في مختلف مناطق المملكة وتعنى بالمرأة العاملة والناشطة الاجتماعية وحافظات القرآن وكل امرأة لا تتوفر لها ظروف التعلم الحوزوي، و ترفع شعار "علم وعمل تميهدا للظهور" والذي يخدم هدفها الأساس وهو تنشئة شريحة اجتماعية واعية بالقضية المهدوية من خلال النساء وتربيتهن على التربية الإيمانية وفق منهج أهل البيت(ع). و تتميز ههه الحوزة بعدة مميزات:
_ تجمع بين منهج العلم والأخلاق التطبيقي، فتضع شروط وقيود للطالبة عند التحاقها بالحوزة. ومن شروط الالتحاق:
حشمة اللبس _ الحجاب الكامل _ الالتزام بالعفة السلوكية في جميع المواطن _ عدم صدور المحرمات
الهدف: معالجة التعري المتفسخ في المجتمع، نشر ثقافة الحشمة بين النساء، تربية جيل نسائي عفيف في المظهر و السلوك.
_ تحتوي شهادة على بند لدرجة الأخلاق العملي وهو السلوك الذي تظهر فيه الطالبة في الحوزة خلال دراستها حيث يتم محاسبتها على التصرفات المخلة بطالب العلم و تربيها على التحلي بآداب المتعلم الواردة عن أهل البيت.
_ تكثيف للدروس الأخلاقية التي تربي على تمهيد الظهور و تطرحها السيدة العالمة الفاضلة أم مهدي الموسوي رئيسة الحوزة لتهذيب الطالبة أخلاقيا وروحيا.
_ تركز على الثقافة المهدوية في مناهجها و تطرح الكتب المهدوية المهمة في تربية الطالبة على الفكر المهدوي فتعيشه روحا و فكرا و وجدانا بالاإضافة إلى التشجيع على المشاركة في المناسبات و المؤتمرات التي تتعلق بالفكر المهدوي.
_ تقيم مجالس معنوية مثل دعاء كميل و دعاء الندبة و التوسل ومناجاة بالإمام المهدي بشكل مستمر لتقوية الجانب المعنوي بالحركة المهدوية بعيدا عن الجفاف العلمي البحت.
وأهم ما يميز هذه الحوزة ونجاحها تأسيسها على يد سمـاحة السيدة العالمة الفاضلة أم مهدي الموسوي التي تعتبر أقدم شخصية نسائية فاعلة في المجتمع الحجازي و أول شخصية نسائية روجت للعلوم الحوزوية و أشهر شخصية جذبت و لا تزال عشرات الألوف من الحضور في مجالسها و تعتبر أكثر مبلغة ذات تأثير قوي في نفوس الناس من جميع الأعمار. وهذه الحوزة ترجمة لشخصيتها الفذة وحكمة إدارتها وعلو تطلعاتها حتى ترك الأثر الكبير في كل من اطلع على انجازات هذه الحوزة.
المؤسسات الدينية
المجالس الحسينية والمساجد: يستخدم المربون في التربية الممهدة هذه المؤسسة انساجاما مع الطرح الإسلامي لدور المسجد الذي يربط الثقافة العامة بالالتزامات الدينية، وينطلق فيها من العقيدة والإيمان بالله تعالى.
وتحولت الحسينيات إلى مؤسسات ثقافية أخرى إلى جانب المسجد استخدمها المربون لنشر الثقافة الإسلامية، وتعتبر منطلقا للشعائر الحسينية التي أختص بها أتباع أهل البيت(ع)، وهي أحد الخطوط الهامة التي اعتمدها الأئمة(ع) في تربية الجماعة الصالحة وقد وضع الأئمة(ع) التصميم العام لهذه الشعائر، وأعطوها أبعادها الدينية الكاملة، وحددوا الشكل والمضمون الذي يتناسب مع الدور المهم الذي لابد أن تؤديه، بحيث تنسجم من ناحية الشكل مع ظروف المأساة، ومن ناحية المضمون مع الأبعاد السياسية والروحية والثقافية والعقائدية.
الفصل السابع: التحديات، العقبات، الأضرار في التربية الممهدة
ماهي التحديات التي تواجه التربية الممهدة؟
هناك نوعين من التحديات تواجه الساحة التربوية:خارجي وداخلي، فالتحديات الخارجية متعددة ولعل أكبر تحد يواجه التربية الممهدة هو الحملة العدائية المنظمة من معسكر الكفر التي تستهدف قيم الأمة الأخلاقية ومبادئها التشريعية، من خلال تسلط الإعلام الغربي الذي يهدف إلى ضرب القيم الدينية وتضليل أفكار الأجيال الجديدة وحرفها عن انتمائها الديني والعقائدي.
ومن التحديات الداخلية مواجهة الاقتباس من الفكر التربوي الغربي في أغلب المناهج التعليمية في مختلف المؤسسات التعليمية والتربوية خصوصا في الجامعات والكليات، إضافة إلى التطور العلمي العالمي في المناهج الدراسية الأمر الذي يستلزم تغيير هذه المناهج وفق ما يتناسب مع التطور العلمي الجديد، بحيث يكون المربي مطلعا وملما بكل ما يسهم في إنجاح الحركة التربوية. كما أن استمرار العمل التربوي الممهد يعتبر تحديا على مستوى الساحة حيث يواجه الكثير من التضييق الفكري والمادي والسياسي.
العقبات التي تعترض التربية الممهدة:
1. التشكيك بأهمية العمل التربوي الممهد والتقليل من شأنه، من خلال النظرة السلبية للانتظار.
2. التضييق على الممهدين في الساحة الإسلامية، وإحباط العمل الممهد.
3. مواجهة الأفكار المنحرفة ومنها التشكيك بالمهدي(ع) وادعاء المهدوية.
4. ضعف الوسائل المستخدمة في العمل التربوي، وعدم توفر الإمكانات اللازمة.
5. ضعف التلقي لدى الفرد والمجتمع، واختلاف البيئة التربوية من مكان إلى آخر ومن فرد إلى آخر ومن قوم إلى آخرين.
الأضرار التي تلحق بالعملية التربوية الممهدة
مع التضييق الذي قد يواجه المربيين في الساحة، وضعف الوسائل المتاحة أمامه يصبح العمل التربوي أكثر صعوبة ومشقة مما يعطل العملية التربوية ويحد من الفائدة منها، ويضيع الجهود الفردية للمربين.
كذلك الفرد إذا لم يتلقى التربية الإيمانية التي تضمن صلاحه الديني والدنيوي فإن هذا الفرد سينسلخ عن قيمه الإسلامية وينغمس في ملذاته الدنيوية مما يؤثر على انتشار الفساد وشيوع الرذيلة في المجتمع. ومن الأضرار أيضا فقدان الأمل بالظهور خصوصا مع ما تواجهه القضية المهدوية من انحرافات فكرية وإدعاءات بالمهدوية تضلل شريحة واسعة من الأمة لا تمتلك الوعي الثقافي المهدوي الذي يحصنها ضد هذه الانحرافات، وهذا يفقد البعض الدافع والمحرك نحو العمل والسعي للتمهيد.
الخاتمة
اختلفت آراء العلماء حول مفهوم التربية وتميزت التربية الإسلامية بشمولية المنهج وتوازنه لإستمداده الشرعية من منهج أهل البيت(ع) وتوفر القادة في الساحة التربوية التي ترسم الخطط وتضع الأهداف وتوجه الفرد والمجتمع نحو تحقيق الهدف الأساس بتهيئة جميع العوامل اللازمة للظهور المقدس.
المصادر
1. دور أهل البيت(ع) في بناء الجماعة الصالحة، تأليف السيد محمد باقر الحكيم
2. الفكر التربوي عند الإمام الصادق، لضياء جواد الموسوي
3. التربية الإسلامية وتحديات العصر، تأليف عبد الرحمن بن عبد الله الفاضل
4. المنهج التربوي لأهل البيت عليهم السلام، للعذاري
5. من مفاهيم القرآن في السلوك الفردي والاجتماعي، تأليف السيد عدنان الدرازي
6. خليفة الله الإنسان الكامل، تأليف الشهيد مطهري
7. بعض المواقع على الإنترنت
https://ayandehroshan.ir/vdcc.xqsa2bqi4la82.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما